إعداد
ناصر بن سعيد بن سيف السيف
غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ، ونستعينه ، ونستهديه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ، ومن سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله الله وحده
لاشريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد
فإن الثقافة تشكل ضمن النسق الاجتماعي العام نسقاً فرعياً متميزاً ومستقلاً، لكنه يتفاعل
مع بقية الأنساق الفرعية الأخرى ويتطور معها وبها، وتقوم الثقافة بتكوين جملة الط رائق والمعايير
التي تحكم رؤية الإنسان للواقع، لذلك فإن الثقافة هي مجموع القيم والقواعد والأعراف والتقاليد
والخطط التي تبدع وتنظم الدلالات العقلية والروحية والحسية، وتعمل على الحفاظ على توازن
النسق الاجتماعي واستقراره ووحدته وتوحيد الأنساق الفرعية للنسق الاجتماعي عن طريق
توحيد الأنماط العقلية التي تحكمها، فالثقافة تغذي الأنساق الفرعية للنسق الاجتماعي بقيم
مماثلة فتخلق نسيجاً اجتماعياً واحداً قادراً على إعادة إنتاج نفسه. لذلك فإن الثقافة في الحقيقة
ليست إلا المجتمع نفسه وقد أصبح مظهراً للوعي أو وعياً، وهذا ال وعي هو في ذات الوقت وعي
للذات، ومسألة الهوُية توحي وللوهلة الأولى، إلى المسألة الأوسع وهي مسألة الهوُية الاجتماعية
التي تعد الهوُية إحدى مكوناتها، إذا لا يمكننا التطرق إلى مفهوم الهوُية إلا إذا حددنا بعدها
الاجتماعي وعليه تعبر الهوُية الاجتماعية محصلة مختلف التفاعلات المتبادلة بين الفرد مع محيطه
الاجتماعي القريب والبعيد، والهوُية الاجتماعية للفرد تتميز بمجموع انتماءاته في المنظومة
الاجتماعية؛ كالانتماء إلى طبقة جنسية أو عمرية أواجتماعية أو مفاهيمية ، وهي تتيح للفرد
التعرف على نفسه في المنظومة الاجتماعية وتمكن المجتمع من التعرف عليه ، ولكن الهوُية
الاجتماعية لا ترتبط بالأفراد فحسب، فكل جماعة تتمتع بهوية تتعلق بتعريفها الاجتماعي وهو
تعريف يسمح بتحديد موقعها في المجموع الاجتماعي. ) 1 )
ومنن خنلام هنذه المقدمنة الجامعنة لموضنوع هنذا البحنت المختصنر تحنت عننوان : )الهويةةةةة
( 1 ( انظر: الثقافة والهوية )إشكالية المفاهيم والعلاقة( ، شهيب عادم ، ص 2 .
3
والثقافة( جعلت البحت على ثلاثة مباحت رئيسة :
المبحت الأوم : مفهوم الهوية والثقافة.
المبحت الثاني : العلاقة بين الهوية والثقافة.
المبحت الثالت : حدود الهوية.
نسأم الله العلي القدير التوفيق والسداد ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
المبحث الأول
4
مفهوم الهوية والثقافة
مفهوم الهوية :
يُعرِّف المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية "الهوية" فلسفياً بأنها : )حقيقة الشئ أو
الشخص التي تميزه عن غيره ، أو هي بطاقة يثبت فيها اسم الشخص وجنسيته ومولده وعمله ،
وتسمي البطاقة الشخصية أيضا(. ) 1 )
وأما في اللغة الإنجليزية فتعني "الهوية" : )تماثل المقومات أو الصفات الأساسية في حالات
مختلفة وظروف متباينة ، وبذلك تشير إلي الشكل التجميعي أو الكل المركب لمجموعة من
الصفات التي تكون الحقيقة الموضوعية لشيء ما ، والتي بواسطتها يمكن معرفة هذا الشئ وغيره
على وجه التحديد(. ) 2 )
وأما آراء المفكرين حوم مفهوم الهوية فيلاحظ أن الأمر لا يختلف كثير اً ، وإن كان يتصف
بأنه أكثر تحديد اً ؛ لأنه يرتبط بال بُعد الثقافي أو الاجتماعي للمصطلح ، فقد ع رفها سعيد
إسماعيل علي بأنها : )جملة المعالم المميزة للشئ التي تجعله هو هو ، بحيت لا تخطئ في تميي زه عن
غيره من الأشياء ، ولكل إنسان شخصيته المميزة له ، فله نسقه القيمي ومعتقداته وعاداته
السلوكية و ميوله واتجاهاته وثقافته ، وهكذا الشأن بالنسبة للأمم والشعوب(. ) 3 )
وأشار محمد عمارة : )أن هوية الشئ ثوابته التي لا تتجدد ولا تتغير ، وتتجلي وتفصح عن
ذاتها دون أن تخلي مكانتها لنقيضها طالما بقيت الذات علي قيد الحياة ، فهي كالبصمة بالنسبة
للإنسان يتميز بها عن غيره وتتجدد فاعليتها، ويتجلى وجهها كلما أزيلت من فوقها طوارئ
الطمس ، إنها الشفرة التي يمكن للفرد عن طريقها أن يعرف نفسه في علاقته بالجماعة
الاجتماعية التي ينتمي إليها ، والتي عن طريقها يتعرف عليه الآخرون باعتباره منتمي اً لتلك
( 1 ( انظر: المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
( 2 ( انظر: الثقافة العربية الإسلامية بين التأليف والتدريس ، رشدي أحمد طعيمة ، ص 35 .
( 3 ( انظر: التربية الإسلامية وتحديات القرن الحادي والعشرين ، سعيد إسماعيل ، ص 95 .
5
الجماعة(. ) 1 )
ويرى محمود أمين : )أن الهوية ليست أحادية البنية ، أي لا تتشكل من عنصر واحد ،
سواء كان الدين أو اللغة أو العرق أو الثقافة أو الوجدان أو الأخلاق ، أو الخبرة الذاتية أو
العلمية وحدها ، وإنمنا هي محصلة تفاعل هذه العناصر كلها(. ) 2 )
وأشار محمد إبراهيم عيد : )الهوية: مفهوم اجتماعي نفسي يشير إلي كيفية إدراك شعب ما
لذاته ، وكيفية تمايزه عن الآخرين ، وهي تستند إلي مسلمات ثقافية عامة ، مرتبطة تاريخ يًا بقيمة
اجتماعية وسياسية واقتصادية للمجتمع(. ) 3 )
وعرًّفها إسماعيل الفقي : )أنها مجموعة من السمات الثقافية التي تتصف بها جماعة من
الناس في فترة زمنية معينة ، والتي تولد الإحساس لدي الأفراد بالانتماء لشعب معين ، والارتباط
بوطن معين ، والتعبير عن مشاعر الاعتزاز ، والفخر بالشعب الذي ينتمي إليه هؤلاء الأفراد(.) 4 )
وأوضح شهيب عادم أن الهوُية الاجتماعية : )تحدد هوية المجموعة المجموعة تضم -
أعضاء متشابهين فيما بينهم بشكل من الأشكام ، في هذا المنظور تبرز الهوُية الثقافية باعتبارها -
صيغة تحديد فئوي للتمييز بين نحن وهم، وهو تمييز قائم على الاختلاف الثقافي . ) 5 )
ومن المفاهيم التي قدمت للهوية الثقافية ما تبنته منظمة اليونسكو بقولهم : )أن الهوية
الثقافية تعني أولا وقبل كل شيء أننا أفراد ننتمي إلي جماعة لغوية محلية أو إقليمية أو وطنية ، بما
لها من قيم أخلاقية وجمالية تميزها ، ويتضمن ذلك أيضً ا الأسلوب الذي نستوعب به تاريخ
( 1 ( انظر: مخاطر العولمة علي الهوية الثقافية ، محمد عمارة ، ص 6 .
( 2 ( انظر: الهوية مفهوم في طور التشكيل ، محمود أمين ، ص 376 .
( 3 ( انظر: الهوية الثقافية العربية في عالم متغير ، محمد إبراهيم عيد ، ص 110 .
( 4 ( انظر: مفهوم الع ولمة وعلاقته بالهوية ، إسماعيل الفقي ، ص 205 .
( 5 ( انظر: الثقافة والهوية )إشكالية المفاهيم والعلاقة( ، شهيب عادم ، ص 2 .
6
الجماعة وتقاليدها وعاداتها وأسلوب حياتها ، وإحساسنا بالخضوع له والمشاركة فيه ، أو تشكيل
قدر مشترك منه ، وتعني الطريقة التي تظهر فيها أنفسنا في ذات كلية ، وتعد بالنسبة لكل فرد
منا نوعً ا من المعادلة الأساسية التي تقرر بطريقة إيجابية أو سلبية الطريقة التي ننتسب بها إلي – -
جماعتنا والعالم بصفة عامة(. ) 1 )
مفهوم الثقافة :
مفهوم )الثقافنة( هنو منن المفناهيم الملتبسنة في كنل اللغنات لأننه ينراد التعبنير بكلمنة واحندة عنن
مضنمون شنديد التركينب والتعقيند والتننوع والعمنق والاتسناع ويضناعف الالتبناس أن علنم الثقافنة
والانثروبولوجينا الثقافينة وعلنم اجتمناع المعرفنة وعلنم البرمجنة العصنبية اللغوينة، منا زالنت تنُدرس علنى
نطناق ضنيق كتخصصنات فردينة ولم تصنبح منن العلنوم النتي يقرأهنا كنل الدارسنين كالفيزيناء والجغرافينا
والكيميناء والتناريخ لنذلك ظنل معظنم النناس لا يعرفنون الحقنائق الهامنة النتي توصنلت إليهنا العلنوم
الإنسانية.) 2 )
ا ولثقافة في اللغة العربية تطلق على معانٍ عندة ، منن أبرزهنا قنوم ابنن منظنور : )الحنذق والفهنم
وسرعة التعلم(. ) 3 )
ويقوم فريد وجدي : )ثقنف يثقنف ثقافنة : فطنن وحنذق ، وثقنف العلنم في أسنرع مندة أي :
أسنرع أخنذه ، وثقفنه يثقفنه ثقفناً : غلبنه في الحنذق ، والثقينف : الحناذق الفطنن( ، والقنواميس
الحديثنة تقنوم : )ثقنف ثقافنة : صنار حاذقناً خفيفناً ، وثقنف الكنلام فهمنه بسنرعة( ، وفي هنذه
النصوص من التشابه مايدعونا إلى أن نعدها نسخاً مكررة نقل بعضها من بعض. ) 4 )
وأبنرز التعريفنات الغربينة للثقافنة النذي تنردد صنداه لندى الغنربيين لندى العنرب كثنيراً هنو
تعرينف )ادوارد تنايلر( عنام 1871 م في كتابنه )الثقافنة البدائينة( النذي يقنوم فينه : )ذلنك الكنل
( 1 ( انظر: دور التربية في مواجهة تداعيات العولمة على الهوية الثقافية ، حمدي حسن المحروقي ، ص 164 .
( 2 ( انظر: الثقافة والهوية )إشكالية المفاهيم والعلاقة( ، شهيب عادم ، ص 4 .
( 3 ( انظر: مادة )علم( في لسان العرب ، ابن منظور.
( 4 ( انظر: مشكلة الثقافة ، مالك بن نبي ، ص 19 .
7
المركب بعض الترجمنات تقنوم المعقند النذي يضنم المعرفنة ، والمعتقندات ، والفنن ، والأخنلاق ، – –
والقنانون ، والتقاليند ، وكنل العنادات والقندرات النتي يكتسنبها الإنسنان منن حينت هنو عضنو في
مجتمع(، وفي هذا التعريف عناصر مهمة ، هي :
1 . أن قضنايا الثقافنة هني القضنايا ذات البُعند الإنسناني لا المنادي عقائنديًا ، وقيمناً ، – –
وفنوناً ، ونظماً ، وأعرافاً.
2 . أن هذه القضايا تتمثل في صورة بناء متكامل وليست جزئيات منفصلة عن بعضها.
3 . أنها ليست تميزاً فردياً لشخص ؛ وإنما هي اجتماعينة ، فالشنخص يعيشنها في ظنل مجتمنع أو
أمة تعيشها كذلك.
4 . أنهنا ليسنت معنارف نظرينة ؛ فلسنفة ، أو فكنراً مجنرد اً ، ولكنهنا حيناة اجتماعينة ، وواقنع
فكري وسلوكي يتحرك به الناس.
5 . أنها بمجموعها مميزة لأهل ذلك المجتمع ، أو لتلنك الأمنة عنن مجتمعنات وأمنم أخنرى ، وهنذا
هنو الواقنع فنإن التمنايز بنين الأمنم إنمنا هنو بهنذه القضنايا : العقائند ، والقنيم ، والننظم،
والأعراف ، أي : الثقافة.
وهنناك تعريفنات كثنيرة للثقافنة لكنن هنذا أشنهرها ، إنهنا تكناد تتفنق علنى مضنمون مناذكر
في التعريفات السابقة. ) 1 )
ومن الخصائص الرئيسية لمفهوم الثقافة ، هي :
1 . إنها من اكتشاف الإنسان باعتبارها مكتسبة وليست وراثية أو غريزية ، وبالاستناد إلى
ذلك لا يمكن أن نجد أية ثقافة لدى الحيوان لاعتماده على الغريزة، إذن الثقافة إنسانية
الملامح، ولا مجام لقيام أيةِ ثقافةٍ دون الوجود الإنساني الذي ينمي هذه الثقافة ويكتسبها
عن الغير من خلام تطور حياته الاجتماعية فناً وفكراً وسلوك اً .
( 1 ( انظر: المثقف العربي بين العصرانية والإسلامية ومقومات الفاعلية الثقافية للمثقف المسلم، عبدالرحمن الزنيدي ، ص 14 .
8
2 . الثقافة تنتقل من جيل لآخر، ومن مجتمع لآخر، من خلام العادات والتقاليد والقوانين
والأعراف، وعملية النقل هذه تتم من خلام التعلم، مع إضافة كل جيل لما يكتسبه مما
يطرأ على حياته من قيم ومبادئ وأفكار وسلوكيات جديدة نتيجة لتغير الظروف.
3 . الثقافة قابلة للتعديل والتغير من جيل لآخر، حسب الظروف الخاصة بكل مرحلة، ويمكن
للأجيام الجديدة أن تضيف قيماً ومفاهيم جديدة لم تكن موجودة لدى الأجيام
السابقة . ( 1 )
المبحث الثاني
العلاقة بين الهوية والثقافة
ثمة علاقة وثيقة بين الهوية والثقافة ، بحيت يتعذر الفصل بينهما ، وإذ أن ما من هوية إلا
وتختزم ثقافة ، وقد تتعدد الثقافات في الهوية الواحدة ، كما أنه قد تتنوع الهويات في الثقافة
الواحدة ، وذلك مايع بر عنه بالتنوع في إطار الوحدة ، فقد تنتمي هوية شعب من الشعوب إلى
ثقافات متعددة ، تمتزج عناصرها ، وتتلاقح مكوناتها ، فتتبلور في هوية واحدة، وعلى سبيل
المثام ، فإن الهوية الإسلامية تتشكل من ثقافات الشعوب والأمم التي دخلها الإسلام سواء
اعتنقته أو بقيت على عقائدها التي كانت تؤمن بها ، فهذه الثقافات التي امتزجت بالثقافة العربية
الإسلامية وتلاحقت معها ، العربية الإسلامية ، فهي جماع هويات الأمم والشعوب التي انضوت
تحت لواء الحضارة العربية الإسلامية ، وهي بذلك هوية إنسانية ، متفتحة ، وغير منغلقة. ) 2 )
ا ولعلاقة بين الهوُية والثقافة، فإنها تعني علاقة الذات بالإنتاج الثقافي، ولا شك أن أي إنتاج
ثقافي لا يتم في غياب ذات مفكرة، دون الخوض في الجدام الذي يذهب إلى أسبقية الذات على
موضوع الاتجاه العقلاني المثالي، أو الذي يجعل الموضوع أسبق من الذات، وإن كل ما في الذهن
هو نتيجة ما تحمله الحواس وتخطه على تلك الصفحة )ذهن الإنسان( كما يذهب لوك، والاتجاه
( 1 ( انظر: الثقافة والهوية )إشكالية المفاهيم والعلاقة( ، شهيب عادم ، ص 8 .
( 2 ( انظر: الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية ، عبدالعزيز التويجري ، ص 9 .
9
التجريبي بشكل عام . ( 1 )
المبحث الثالث
حدود الهوية
يرى بارث أن الأهم في عملية اكتساب الهوية هو إرادة وضع حد بين "هم"و"نحن" وبالتالي
إقامة ما يسميه بن "الحد" والحفاظ عليه ، وبشكل أدق ، فإن الحد في الموضوع ينجم عن اتفاق
بين ذلك الحد الذي تزعم الجماعة بأنها وضعته لنفسها وبين الحد الذي يريد الآخرون وضعه
لها، طبعاً الحد المقصود هنا هو الحد الاجتماعي الرمزي ، وإن ما يفصل بين مجموعتين عرقيتين -
ثقافيتين ليس الاختلاف الثقافي كما يتصور الثقافيون خطأ؛ إذ يمكن للجماعة أن تعمل تماماً وفي
كنفها شيء من التعددية الثقافية، ويعود السبب في هذا الفصل ، أي وضع " الحد"، إلى إرادة
الجماعة في التميز واستخدامها لبعض السمات الثقافية كمحددات لهويتها النوعية، ومن شأن
الجماعات القريبة من بعضها ثقافياً أن تع د نفسها غريبة تماماً عن بعضها بعض بل ومتعادية
حينما تختلف حوم عنصر منعزم في المجموعة الثقافية. ) 2 )
إن تحليل بارث يتيح التخلص من الخلط الشائع بين "الثقافة" و"الهوية" والتطبع بطابع
ثقافة معينة لا يقتضي امتلاك هوية خاصة بشكل آلي، والهوية العرقية الثقافية تستخدم الثقافة -
لكنها نادراَ ما تستخدم الثقافة كلها، ويمكن للثقافة نفسها أن تج ير بشكل مختلف ، أي متعارض
في الاستراتيجيات المختلفة لاكتساب الهوية على عكس قناعة واسعة الانتشار، فإن العلاقات
التي تدوم فترة طويلة بين المجموعات العرقية لا تؤدي بالضرورة إلى الإلغاء المتدرج للاختلافات
الثقافية، بل غالباً ما تنتظم هذه العلاقات بشكل تحافظ معه على الاختلاف الثقافي بل أحياناً
تزيد هذا الاختلاف عن طريق لعبة الدفاع )الرمزي( عن حدود الهوية ، ولكن هذا لا يعني أن
"الحدود" لا تتبدم. ) 3 )
( 1 ( انظر: الثقافة والهوية )إشكالية المفاهيم والعلاقة( ، شهيب عادم ، ص 6 .
( 2 ( انظر: مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دوني كوش ، ترجمة قاسم المقداد ، ص 110 .
( 3 ( انظر: مفهوم الثقافة في العلوم الاجتماعية، دوني كوش ، ترجمة قاسم المقداد ،، ص 111 .
10
ويعتبر بارث أن الحد يشكل فرزاً اجتماعياً يمكن تجديده باستمرار من خلام التبادلات،
وكل تغير يصيب الحالة الاقتصادية أو السياسية من شأنه التسبب في انزياحات الحدود، ودراسة
هذه الانزياحات ضرورية إذا رمنا تفسير تنوعات الهوية ، وبالتالي فإن تحليل الهوية لا يمكن أن
يكتفي بمقاربة تزامنية ، بل عليه أيضاً أن يخضع لمقاربة تطورية، وبالتالي ليس هناك هوية ثقافية
بذاتها لها تعريف ثابت ، وينبغي على التحليل العلمي أن يكف عن زعمه في إيجاد تعريف
صحيح للهويات الخاصة التي يقوم بدراستها، والمسألة ليست معرفة من هم "الكورسيكيون
"بالفعل على سبيل المثام ، بل هي معرفة دلالة اللجوء إلى اكتساب الهوية "الكورسيكية"، وإذا
اتفقنا على أن الهوية هي بناء اجتماعي فإن السؤام الملائم الوحيد الذي يجب طرحه هو :"كيف
ولماذا وبواسطة من ، وفي وقت ما وفي سياق معين حصلت، واحتفظ بها ، أو أصبحت عرضة
للنقاش والجدم ، إحدى الهويات الخاصة". ) 1 )
انتهى البحث
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
5 / 6 / 1435 هةة
( 1 ( المرجع السابق ، ص 112 .
Post a Comment