كما حالت دون هيمنة النزعة الوصفية وعزل التصوف عن خلفيته النظرية وما يتعلق به من تصورات وأفكار واصطلاحات، ليصل بنا في نهاية الأمر إلى أن الخيط الناظم للخطاب الصوفي هو كون الإنسان من خلال التجربة والفكر الصوفيين يعيش عالمين، من خلال تصدع علاقته بالعالم الذي ينتمي إليه، وتطلعه إلى العالم الآخرمن خلال حنينه إلى الجنة. هذا الجمع بين المقاربة الفلسفية والتاريخية، انتهت إلى رصد أشكال الاتصال والانفصال بين الإنسان والعالم في تصوف الغرب الإسلامي، انطلاقا من كون أسئلة التصوف وتجربة المتصوف هي بالأساس تجربة وجودية لها تصورها للمعرفة والقيم. والمقاربة التاريخية، المستندة إلى كيفية اشتغال التاريخ على الذهنيات، من خلال رصد قضايا تلامس الجانب الحساس في التجربة الإنسانية البسيطة والساذجة والعالِمة، من خلال مفاهيم: الزمن والموت، والطبيعة والجنة. ليصل في النهاية إلى أن هذا التصوف عبر في العمق عن فكرة جوهرية مفادها أن الانتقال من الطبيعة إلى الثقافة تحقق من خلال النزول من الجنة إلى الأرض.
هذا العمل يعكس القلق المنهجي لصاحبه، الذي انطلق من التاريخ، بالمعنى التقليدي المتمثل في رصد التحولات الاقتصادية والسياسية والوقائع العسكرية، وحاول التخلص منه، بالاستفادة من غنى النصوص الصوفية النظرية والمنقبية، إلى دراسة الانفعالات والأحاسيس والأفكار والتصورات المتعلقة بعلاقة الإنسان بالعالم.
إرسال تعليق