وقد نجحت هذه الفلسفة العقلانية المادية، إلى حدٍّ بعيد، في إقصاء البُعد الروحي من المجال العام، فغلب الطابع الوضعي والتقني على الرؤية الحداثية للإنسان والمجتمع.
لكنّ هذا النسق المعرفي الحداثي لم يلبث أن ولّد، من داخله، تساؤلات نقدية عميقة أدّت إلى بروز تيار ما بعد الحداثة، الذي قام بتفكيك مقولات الحداثة الأساسية، فأنكر مركزية الإنسان، ونفى وجود جوهر إنساني ثابت، وأسلم الإنسان إلى عالم العدمية والنسبية والتشظي. وإذا كانت الحداثة قد قلّصت الإنسان إلى وظيفة في آلة كبرى، فإن ما بعد الحداثة اختزلته تمامًا إلى كائن أحادي البعد، هشّ، بلا مرجعية ولا غاية.
هل انتهت المنظومة الحداثية بإزاحة الإنسان عن "العرش"، بعد أن بدأت بتنصيبه سيدًا للكون والعقل والتاريخ؟
ما مدى صدقية القيم التي بشّرت بها الحداثة؟ وما مصير الفلسفة والحضارة التي قامت على أسسها؟ هل دخلت مرحلة الإفلاس؟
هذا ما يحاول الكاتبان عبد الوهاب المسيري وفتحي التريكي تفكيكه وتحليله، في سعيهما إلى فهم التحوّلات الكبرى التي عرفها الفكر الغربي الحديث، واستكشاف الدور الممكن للثقافات الأخرى – غير الغربية – في تقديم رؤى بديلة، أكثر توازنًا وإنسانية.
Post a Comment