في أمسية أشرقت بنور العلم والوفاء، التأم
نخبة من العلماء والفقهاء في حضرة التكريم، حيث نظم المجلس العلمي الجهوي لجهة
طنجة تطوان الحسيمة، بشراكة مع مؤسسة عبد الله كنون، حفلا مهيبا احتفاء بمسيرة
الفقيه العلامة عبد الغفور الناصر، أحد الوجوه العلمية البارزة التي أثرت المشهد
الديني والفكري في المغرب، وظل صوته عاليا في محراب الوسطية والاعتدال.
سليل بيت العلم والأدب، ذو
الأصول الأندلسية، حملت عائلته مشعل الهجرة نحو ربوع غمارة وأنجرة وتطوان
ونواحيها، حيث وجد تربة خصبة لبذرة علمه، فصار منارة يهتدى بها طلاب المعرفة.
وفي مسيرة امتدت عقودا، ظل
الشيخ الناصر مخلصا في خدمته للدين والوطن، متنقلا بين رحاب كلية أصول الدين
بجامعة القرويين، وعضوية المجلس العلمي الأعلى، ورئاسة المجلس العلمي بتطوان، حيث
سطع نجمه لأكثر من عشرين سنة، حاملا على عاتقه مسؤولية تثبيت الثوابت وتأصيل الهوية.
وفي لحظة امتزجت فيها
المشاعر بروح الاعتراف، لم يتمالك نجله محمد ناصر، عضو المجلس الأعلى للسلطة
القضائية، نفسه، فانهمرت دموعه وهو يستعيد تفاصيل حياة والده، الذي وهب أيامه
ولياليه للعلم والتعليم، قائلا: “منذ صغري، لم أره إلا منكبا على كتبه، متفانيا في
نشر العلم، حريصا على إعداد خطب الجمعة، مؤمنا برسالة التوجيه والإرشاد، وساعيا
بكل ما أوتي من علم للمشاركة في الدروس الحسنية بين يدي الملك الراحل الحسن الثاني.”
ولم يقتصر التكريم على
الكلمات، بل كان اعترافا مستحقا بمسيرة رجل لم يكن مجرد فقيه أو مدرس، بل كان ذاكرة
علمية متقدة، أفنى حياته في البحث والتأليف، وأسهم في إثراء المكتبة الفقهية
بمقالاته ودراساته، كما صدح صوته عبر أثير إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم،
وامتدت بصمته إلى تأطير الأئمة داخل المغرب وخارجه، فضلا عن عضويته في مؤسسة محمد
السادس للعلماء الأفارقة.
وبقدر ما كان الفقيه
الناصر عالما موسوعيا، كان أيضا وطنيا غيورا، لم يحد لحظة عن الثوابت، ولم يدخر
جهدا في الذود عن هوية البلاد، وظل يقظا في مواجهة كل انحراف قد يمس مرتكزات الأمة
الدينية والوطنية.
ولم يكن
الحفل التكريمي الذي نظمه المجلس العلمي الجهوي ومؤسسة عبد الله كنون، مجرد مناسبة
احتفائية، بل كان درسا في الوفاء لرجل لم يطلب جزاء ولا شكورا، بل أفنى عمره في
سبيل رسالة سامية، فكان بحق نموذجا للعالم المتبصر، المتواضع، الذي جمع بين
الأخلاق والمعرفة، وحمل همّ الأمة، وسار على نهج العلماء الذين نذروا أنفسهم لخدمة
الدين والوطن.
Post a Comment