المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي - محمد عابد الجابري

 

المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي - لـ محمد عابد الجابري

"لم يكن انتقال أوروبا إلى العقل العلمي الحديث قفزة في فراغ، بل هو امتداد للثورة العلمية التي أنجزها العقل العربي الإسلامي."

يسعى محمد عابد الجابري في هذا الكتاب إلى دراسة منهجية التفكير العلمي منذ بداياتها الأولى في الحضارات القديمة مروراً بالحضارة الإسلامية وصولاً إلى أوروبا الحديثة. الغرض الأساسي هو إظهار كيف تشكلت "الروح العلمية" وكيف لعب المنهاج التجريبي دوراً حاسماً في تطور العلوم، بحيث أصبح التجريب والملاحظة والبرهان حجر الزاوية في كل تقدم علمي.

الجابري يحاول أن يعيد الاعتبار إلى العقل العلمي العربي الذي ساهم في بلورة هذا المنهاج، مبرزاً أن النهضة الأوروبية لم تنفصل عن إرث الفكر الإسلامي وإنما انطلقت منه.

المحاور الرئيسية

1. الجذور التاريخية للفكر العلمي

يوضح الجابري أن الفكر العلمي لم يبدأ فجأة في أوروبا، بل له امتدادات في الحضارات المصرية واليونانية والهندية.

في الفكر اليوناني، طغى الطابع التأملي والعقلي على العلم، مما أدى إلى غياب التجريب كأداة أساسية.

يشير إلى أن العقل الإغريقي أسّس لمقولات كبرى في المنطق والفلسفة، لكنها لم تكن كافية لتأسيس "علم تجريبي".

2. الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية

يعتبر الجابري أن المنعطف التجريبي تحقق فعلياً مع العلماء المسلمين.

مثل: ابن الهيثم في البصريات، الرازي في الطب، الخوارزمي في الجبر، حيث اعتمدوا على التجربة والملاحظة بدل التأمل المجرد.

يميز الجابري بين "العقل البياني" (النص واللغة) و"العقل البرهاني" (المنطق) و"العقل العرفاني" (الكشف)، ويرى أن العلماء المسلمين جسّدوا العقل البرهاني التجريبي الذي كان خطوة مفصلية في التاريخ.

3. أوروبا والنهضة العلمية

يبين أن أوروبا ورثت المنهج التجريبي عبر الترجمة والتفاعل مع التراث الإسلامي في الأندلس وصقلية.

أسماء مثل روجر بيكون وفرنسيس بيكون تأثروا بعمق بالعلوم العربية.

مع الثورة الكوبرنيكية والجاليليّة، تبلور الفكر العلمي الحديث على أساس الملاحظة والتجريب والرياضيات.

4. المنهاج التجريبي كروح للعلم الحديث

يؤكد الجابري أن التجريب ليس مجرد تقنية بل هو طريقة في التفكير تقوم على:

الملاحظة الدقيقة.
صياغة الفرضيات.
اختبارها عبر التجربة.
تعميم النتائج ضمن قوانين قابلة للتطبيق.

هذه الخطوات مثلت ما يسميه الجابري "الثورة في العقل العلمي"، إذ لم يعد العلم مجرد تأمل نظري بل نشاط عملي مرتبط بالحياة والتقدم.

5. الدروس للحاضر العربي

يدعو الجابري إلى إحياء العقل التجريبي في الثقافة العربية المعاصرة.

يربط النهضة بالتعليم العلمي المبني على التفكير النقدي والتجريب.

يرى أن الجمود في الفكر العربي المعاصر راجع إلى تغليب النقل على الإبداع، والبلاغة على البرهان، مما يعيق بناء مشروع حضاري جديد.

الخلاصة

كتاب "المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي" هو دعوة إلى إعادة الاعتبار إلى الروح التجريبية التي أسهم فيها الفكر العربي الإسلامي، والتي شكلت أساس العلم الحديث. يرى الجابري أن مستقبل الأمة العربية لن يبنى إلا عبر استعادة هذا المنهج العلمي وتوطينه في مؤسسات التعليم والثقافة، لأن النهضة الحقيقية لا تقوم على الاستهلاك أو التبعية، بل على الإبداع العلمي والفكري.

تحميل الكتاب